حلم المغرب الكبير.
على هامش مؤتمر "التحديات المشتركة لشباب المغرب العربي".
يمكن أن أعتبر 'حلم المغرب الكبير' أول المواضيع السياسية التي فكرت فيها
منذ الطفولة، وأنا أنظر للصورة الشهيرة لزعماء المغرب الكبير الملتقطة فبراير
1989، وأسمع بعدها الأستاذة تتحدث في مقارنة بين الاتحاد المغاربي والاتحاد
الأروبي وما حققه هذا الأخير من تقدمه للدول أعضائه.
كان مدخل التفكير آن ذاك عاطفي محض، يتساءل عن سبب اندثار الحلم ونوم
الاتحاد المغاربي، وخلصت حينها لهدف مفعم بطموح الطفولة، أن أصوغ مشروعا يحقق
الاتحاد المغاربي فعليا.
أعيد فتح النقاش في الموضوع بعد ركوده في عقلي لسنوات كركود الاتحاد
المغاربي في أحلام شعوب شمال إفرقيا، وذلك بحضوري كشابة عن المغرب في المؤتمر الإقليمي
لدول الاتحاد المغاربي، والذي كان تحت شعار "التحديات المشتركة لشباب المغرب
العربي" بمدينة بنزرت التونسية والذي نظم من طرف منتدى الشرق الشبابي بشراكة
مع النساء الرائدات المغاربيات. فتح النقاش برؤية شبابية ومن زوايا متعددة ثقافية واقتصادية
وسياسية، سأحاول من خلال هذا المقال طرح بعض الأفكار تفاعلا مع الموضوع.
-العوامل الثقافية المشتركة بين دول المغرب الكبير متعددة، لكن لا يمكن
اعتبارها ركيزة لقيام الاتحاد ما لم يتم تجاوز اشكالاتها العميقة، ويتحدد أهمها
حسب تقديري في الاشكال اللغوي "الامازيغية" والاشكال الديني.
مصطلح
"المغرب العربي" ذو الحمولة عنصرية قد تساهم في إضعاف وتشتيت التقافة
الأصلية لمنطقة شمال افريقيا، لأنها
عبارة تمسّ بمشاعر الأمازيغ بالمنطقة، حيث لا تحترم وجودهم وهويتهم ولغتهم
،ولكونها عبارة إقصائية واختزالية لا تأخذ بعين الاعتبار تعدّد المكونات البشرية
والحضارية واللغوية والثقافية للبلدان المغاربية، وتختزلها في البعد
"العربي" وحده، بينما تشكل البناء الحضاري المغاربي من الأبعاد
الأمازيغية والإفريقية والعربية والإسلامية واليهودية والصحراوية.
ناهيك
أن أغلب دول لم تستطع الحسم في الاشكالية اللغوية
والثقافية رغم المجهودات المبذولة، ففي المغرب مثلا جاء اعتماد الأمازيغية لغة رسمية ثمرة نضال طويل
لنشطاء الحركة الأمازيغية، لكن الحراك المغربي الذي قادته حركة 20 فبراير
الاحتجاجية بداية 2011 في سياق الربيع العربي، سرّع من إقرار ذلك في الدستور.
لكن وبعد مرور 7 سنوات على صدور الدستور إلى أنه لم يستطع البرلمان المغربي إخراج
القانون التنظيمي المتعلق بدسترة الأمازيغية، وهذا التأخر في إعداد وتنزيل القانون
يعكس حقيقة عدم وجود رؤية واستراتيجية لدى الدولة المغربية تجاه الأمازيغية.
على مستوى الهوية الدينية، فرغم أن
الدين الإسلامي يمثل ديانة الغالبية الساحقة لسكان المغرب الكبير، إلا أن هناك
تمايز واضح بين كل دولة من دول المغرب الكبير وطريقة تجاوبها مع الدين، وطريقة
تدين شعبها، فتدين الشعب التونسي ليس كتدين الشعب الموريطاني، وتقدير المغاربة
لفريضة الصيام مثلا، قد لا نجده في بلدان أخرى، كتقدير الموريطانيين لفريضة الحج
وهكذا، عموما هذا ليس الاشكال.
الاشكال حسب تقديري أن هذه الشعوب لم تستقر للآن على
هوية دينية واضحة، فبعد الاستعمار واقتحام الثقافة الاستعمارية لخصوصيات هذه
البلدان خاصة الخصوصيات الدينية –بدرجات متفاوتة- حدث ارتباك في الهوية الدينية.
اعتبر أن دور الأساسي للحركات الاسلامية المعتدلة في
هذه البلدان هو المساهمة –إذا ركزت على العمل الثقافي والمجتمعي- قلت، المساهمة في
انتاج هوية دينية مغاربية بعيدة على التناقضات التي تعيشها هذه البلدان منذ
الاستعمار.
-على
المستوى الاقتصادي أتفق مع رأي الخبير الاقتصادي رضا شكندالي، في هذا الإطار، بحيث
قال أنّ "تجربة الاتحاد المغاربي بقيت حبيسة مقاربة جعلتها لا تنجح كتجربة،
وتطبّق على أرض الواقع"، موضحاً في أحد تصريحاته الصحفية أنّ "الفكرة بنيت على أساس مقاربة
الاندماج، مثل تجربة الاتحاد الأوروبي، في حين أنه لا يمكن الاقتياد بهذه التجربة،
لأن اقتصادات وهيكلة البلدان المغاربية مختلفة ومتباعدة، وكذلك السياسات
الاقتصادية مختلفة، ومنها مؤشرات موازنات الدول والعجز التجاري لبلدان الاتحاد
المغاربي".
على المستوى السياسي:
الوضع
السياسي بليبيا، ورغم مرور سبع سنوات على الإطاحة بنظام معمر القذافي الذي حكم ليبيا 42 عاما باستبداد، مازال الحلّ السياسي في
البلاد الذي يرنو من خلاله الليبيين إلى رؤية دولة ديمقراطية مستقرّة، يواجه
عراقيل داخلية وخارجية كبرى.
معقل الثورة، وبداية الأمل تونس، بعد صدور دستور 2014، وهي تشهد عدم
استقرار حكومي، وعدم قدرة النخبة السياسية من استغلال الفرصة لتحقيق انتقال
ديموقراطي حقيقي.
الجزائر وسيطرة الجيش على الحكم وغياب أي مظهر من مظاهر الانتقال
الديموقراطي.
المغرب والتراجع الديموقراطي الواضح بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2016
وإعاقة تشكيل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية للحكومة، والتي انتهت بإقالته .
موريتانيا التي تضيع حلم الديموقراطية بين الانقلابات، وفشل الحوار السياسي
بين المكونات كل مرة.
هذه النظرة الخاطفة عن الوضع السياسي لكل بلدان للبلدان المغاربية تشكل
العائق الموضوعي لتشكل الاتحاد المغاربي. فالديمقراطية شرط أساسي لانخراط هذه
الدول داخل اتحاد. هذا من جهة. من جهة أخرى يعتبر مشكل الصحراء بين الجزائر
والمغرب من الأسباب الرئيسية لفشل هذا الاتحاد وكان لتخلي إسبانيا عن
الإقليم بموجب اتفاقية مدريد عام 1957 وإعلان الجمعية العامة
للأمم المتحدة عام 1974 بحق شعب الصحراء في تقرير المصير والاستقلال وظهور
جبهة البوليساريو كقوة عسكرية تلقي الدعم من الجزائر قد جعل
من إقليم الصحراء المغربية محورًا مهمًا من محاور عدم الاستقرار في
العلاقات المغاربية عامة والعلاقات المغربية - الجزائرية خاصة، وأن إحاطة
الإقليم بأقطار لكل منها مشاكله مع الآخر قد عقّد المشكلة وجعل منها منطقة تنازع
بين كل من المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو.
-حلم المغرب الكبير بعد هذا التفكير البسيط أصبح بنسبة لي مؤجل، الأولوية
لبناء أساس ديموقراطي في بلداننا، حل المشاكل الهوياتية المرتبطة باللغة، والدين،
وقيم المجتمع، بناء الحد الأدنى من معالم اقتصاد قوي، ثم ملف الصحراء المغربية
الذي سيكون حله نتيجة حتمية لبناء دول ديموقراطية، واقتصادات قوية، آن ذاك يمكننا
التحدث عن اتحاد مغاربي.
مع ذلك لا ننكر اتحاد الشعوب روحيا، والمجتمع المدني تطبيقا، للمساهمة في
تجاوز الاشكالات المعيقة لتشكل الاتحاد.
كل أمنياتي بالاستقرار والتقدم لبلداننا المغاربية.
مريم ابليل
تعليقات
إرسال تعليق