كنت طفلة في 16 عشر من العمر حين تساءلت أول مرة عن علاقة العفة بالشكل.
ذات مساء عند رجوعي من الثانوية سعيدة بطلاء الأظافر الوردي الذي وضعته على يدي
صديقتي أثناء الاستراحة، وأنا في الطريق تعرضت للتحرش من طرف رجل في سن أبي، ردي
كان نظرة حادة رفضا لكلماته، فأجاب نظرتي بتهكم قائلا:
-ملي ماباغاش لي يتحرش بك علاش دايرا صباغة .."إذا لم تكني تريدين
التحرش لماذا تضعين طلاء الأظافر؟"
طوال الطريق أتساءل هل طلاء الأظافر أنقص من عفتي ..
في تلك الفترة كنت أستفيد من أنشطة
حملة أطلقتها حركة دعوية تحت شعار "حجاب عفتي" زاد هذا
الشعار من تعميق تسؤلاتي.
-الآن وبعد مرور سنوات
أحاول مشاركة الإجابة.
العفة قيمة من القيم الإنسانية، أقرها الإسلام وجعلها من قيمه العليا. وأبلغ
التعريفات التي وجدت للعفة أنها "لذة
وانتصار على النفس والشهوات وتقوية لها على التمسك بالأفعال الجميلة والآداب
النفسانية"[1]،
ومن خلال هذا التعريف فالعفة تتجاوز عفة الفرج لعفة البطن، والعفة عن أكل الحرام
والشبهات وأموال الناس، والعفة عن أعراض الناس.
العفة هي خط التوازن بين التركيبة الطينية
المادية للإنسان، والتركيبة الروحية. هي القيمة التي تعنى بحفظ حرية الإنسان في
الإختيار خارج سيطرة نفسه.
أظن أن الخطأ الفادح
الذي ارتكبته هذه الحركة، وغيرها من الحركات الدعوية والبرامج الدعوية التلفزية ..
هو ربط العفة بالحجاب "حصرا" ويتجلى هذا الخطأ من خلال تكريس فكرتين
خطيرتين:
-أولا: العفة مرتبطة بالمرأة دون
الرجل.
-ثانيا: العفة تتركز في الحجاب.
- أولا: العفة
مرتبطة بالمرأة دون الرجل:
شعار الحملة حجابي عفتي جعل جيلا من الشباب خاصة
الإناث يحملن في مخيالهن أن العفة ترتبط بمظهرهن، بالحجاب، وأي فعل صدر عن
"الذكر" سببه خلل في الحجاب الذي أنقص من عفة الفتاة وتسبب في فتنة
الشاب، من جهة أخرى رسخ الفكرة الجاهلية البئيسة المكرسة لدونية المرأة والتي
لطالما كانت سبب في ظلم المرأة عبر التاريخ وهي التعامل مع المرأة على أساس جسد
وليس إنسان.
--ثانيا: العفة
تتركز في الحجاب:
ربط قيمة ربانية
عليا، لا تكاد تخلوا أدبيات أي ديانة أو ثقافة منها بشكل معين شكل غير ثابت حتى؛
فالحجاب الذي يحقق
العفة في جماعة معينة هو النقاب الأفغاني/ السعودي، وجماعة أخرى الحجاب هو العباية
واللفة الماليزية، وجماعة أكثر إنفتاح هو الحجاب التركي.. بل قد نجد شكل الحجاب
يتغير في كل "حركة" من فترة تاريخية لأخرى، فنجد شكل حجاب الأخوات في
الثمانينات، ليس نفس شكل حجاب الأخوات في سنة 2000 ولا هو نفس الحجاب الآن.
ربط قيمة العفة
بالحجاب "حصرا"، يظلم هذه القيمة ويقزمها ويحصرها، فلا يمكن ربط قيمة ثابثة بشكل متغير
تغير الموديلات والموجات الثقافية والأزمنة.
الدعوة وجب أن تكون
للقيم العليا بمقاصدها، دون تجزيء أو تقزيم أي قيمة، العفة قيمة كونية تتجاوز
الحجاب، العفة مقياس لمدى قدرة الإنسان على ممارسة حريته والتخلص من سجن شهواته.
وإن كان من واجب
بخصوص الحجاب، فأرى الأبلغ الدعوة إلى الستر، شكلا وممارسة، فكم من محجبة تمارس
الإغراء العاطفي والجنسي، وكم من فتاة غير محجبة مستحضرة لقيمة العفة في حياتها،
محاربة من أجل وجودها كإنسان يعتز بذاته ليس كجسد.
تعليقات
إرسال تعليق